“التيار العربي المستقل” .. هل نحن أمام شكل جديد من الصراع في سورية ؟
كتب أحمد يساوي:
المراقب للمشهد السوري وعلى مدار السنوات الماضية يجد نفسه أمام كثير من الكيانات والتجمعات التي تأسست من خلال دول كانت تقدم الدعم السياسي والمالي وحتى الإعلامي لها، وما إن توقف “الدعم” أو انتهى الدور المنوط بها حتى اختفت عن المشهد بشكل كامل.
مشكلة هذه الكيانات أنها لم تأتِ نتيجة عمل وطني صرف هدفه تحقيق كثير من الأهداف التي خرج من أجلها الشعب السوري، ولو كانت كذلك لبقيت واستمرت باستمرار السوريين أنفسهم أو طورت نفسها إلى شكل يناسب تغيرات الوضع على الأرض، ولعل خبرة السوريين خلال السنوات السابقة جعلت الكثيرين يملكون القدرة على كشف الأهداف الحقيقية وراء تلك الكيانات، وهنا يأتي السؤال المكرر: ما مدى فعالية تلك الجماعات على الأرض؟ ومن يقف خلفها؟وما دورها الحقيقي ؟ .
الحديث هنا يقودنا للوراء قليلاً إلى مرحلة التحضير لمحاربة داعش في شرق سورية حيث عرضت تركيا تجنيد عدد من عرب المنطقة لمحاربة داعش على ألا يكون للأكراد دور فيها، أما عرب المنطقة فكان شرطهم مقاتلة النظام بالإضافة لمقاتلة داعش لكن الأمريكيين رفضوا الفكرتين وقاموا بالهجوم مستخدمين الأكراد كرأس حربة مع قليل من العرب لإضفاء نوع من التنوع على قوات سورية الديمقراطية واستطاعوا الوصول إلى الحدود العراقية في ريف ديرالزور الشرقي الشمالي والقضاء بشكل شبه كامل على سيطرة التنظيم على الأرض.
بدورها قامت روسيا بهجوم متزامن من جهة تدمر باتجاه ديرالزور مستخدمة قوات النظام والمليشيات الإيرانية على الأرض وبمساندة ودعم روسي من الجو ونجحت بالوصول إلى المدينة ثم الريف الشرقي الجنوبي وصولا إلى الحدود العراقية.
بعد القضاء بشكل شبه كامل على داعش برز صراع جديد على شرق سورية تتجاذبه قوى كبرى(أمريكا وروسيا) وقوى اقليمية (تركيا وإيران والسعودية والإمارات) أما أدواته فهي قوى محلية (النظام ومليشياته من جهة وقسد من جهة أخرى) فأمريكا تريد مكافأة الأكراد وإبقاءهم شوكة في حلق تركيا، وروسيا تريد لعب دور بين النظام والأتراك والامساك أكثر بزمام الأمور في سورية ، وإيران تريد بقاء خط إيران العراق سوريا لبنان مفتوحا عبر البوكمال بالإضافة لنشر التشيع في المنطقة، والأتراك يريد نفوذاً عبر عرب المنطقة يمنع عنهم الكابوس الكردي، وأخيراً يحاول محور (السعودية الامارات مصر) الدخول على خط المواجهة مع تركيا في سورية – أسوة بما فعلوه ببلدان الربيع العربي- عبر أدوات فشلت بعضها ، أما بعضها الآخر فيحاول أن يجد له موطئ قدم في هذا الصراع المرير .
مؤخرا وبلا مقدمات، أُعلن عن تشكيل يسمى “التيار العربي المستقل” ويضم في صفوفه (قيادات بعثية ) سابقة إضافة لمسؤولين سابقين في الإعلام الحكومي السوري، ورغم أن الغموض لازال يكتنف هذا التشكيل الذي لم يصرّح أحد من أعضائه حتى الآن عن أي نشاط بمن فيهم الناطق الرسمي باسمه، فإن المتحدث الوحيد كان رئيسه محمد خالد الشاكر المقيم في مصر والقيادي لدى “قوات النخبة” التابعة لأحمد الجربا المقرب من محور (السعودية الامارات مصر) .
رئيس التيار قام بنشر سلسلة مقالات في موقع مركز المزماة للدراسات والبحوث الإماراتي التي هاجم فيها قطر وتركيا بشكل لافت يتجاوز الحيادية أو العقلانية.
أما على المستوى السوري فخلال حوار مطول مع موقع “رووداو” الكردي أقر الشاكر بعقد اتفاق بين تيار الجربا والإدارة الذاتية و أبدى إعجابه بتجربة الإدارة الذاتية:” أعتقد أنها تجربة ناجحة ونأمل الاقتداء بها”.
بالعودة إلى فكرة الارتباط بالصراعات الدولية والإقليمية تبدو فكرة تشكيل قوة عسكرية تتبع لمحور (السعودية الامارات مصر) قد فشلت باعتراف الناطق باسم التيار نفسه في أحد اللقاءات عندما تساءل :”ماذا يفعل مئات من قوات النخبة مقابل 45 ألف مقاتل في قسد؟”إضافة لتصريح آخر أكد فيه انشقاق عدد من قوات النخبة وانضمامها لقوات قسد .
لذا بدا واضحاً أن التوجه الجديد يقضي بتأسيس تجمع بعيد عن العسكرة هدفه إعادة استقطاب أبناء المنطقة وتجميعهم بشكل أو بآخر من خلال تجمع “ظاهره مدني” يكون ورقة بوجه ما تقوم به تركيا في الشمال لاسيما بعد نجاح تركيا بتأهيل المناطق التي سيطرت عليها فيما لم تنجح قسد في ذلك حتى الآن بشكل يدعو للطمأنية لاسيما أن كثيرا من عناصرها غرباء عن المنطقة إضافة لارتفاع وتيرة الاغتيالات لعناصر عربية في قسد مجهولة المصدر.
في قراءة سريعة لأدبيات هذا “التيار” وأهدافه التي يسعى لتحقيقها يلاحظ القارئ أن العزف انحصر على وتر العنصر العربي في المنطقة في محاولة يبدو أنها تهدف إلى الايحاء باستبعاد العنصر الكردي عن نشاط هذا التيار ليتمكن من إقناع الناس بأن أهدافه تختلف عن أهداف “مسد” التابعة للأكراد رغم تصريحات رئيسه بأنهم حلفاء.
والسؤال البسيط الذي يتبادر للذهن: كيف يمكن لتجمع من بضعة أشخاص يعيشون مشتتين في بلاد اللجوء ليس لديهم أموال ضخمة أو جمعية متخصصة أو مصدر مال واضح أن يقوموا بمشروع يشمل تقديم الخدمات الصحية والإغاثية والخدمية لمئات الآلاف من المدنيين النازحين ؟ فيما تقف دول ومنظمات دولية عاجزة عن سد احتياجات هؤلاء ؟ كيف يمكنهم تقديم الخدمات على الأرض فيما قسد وأدواتها المدنية هي المسيطرة بشكل كامل ؟ وما هي القنوات الشرعية التي سيعملون من خلالها؟
وإذا كان من الانصاف الاشارة إلى جملة من الأخطاء التركية تجاه الأوضاع في سورية لاسيما في العلاقة مع إيران ومليشياتها أو حتى مع تجاوزات الروس وقواتهم على الأرض والقصف شبه اليومي على مناطق خفض التصعيد في إدلب، فإن ذلك لا يعني أن يستجلب أبناء المنطقة قوة جديدة تضاف إلى القوى الموجودة أصلاً على الأرض بل إن على أبناء المنطقة أن يعملوا على إيجاد نوع من التوازن مع جميع القوى الموجودة على الأرض وعدم استعداء طرف على حساب آخر وعدم إدخال المنطقة الشرقية في صراع هم الحلقة الأضعف فيه.
يبدو أن هذا التشكيل تدور حوله كثير من التساؤلات التي لا يمكن تجاهلها أو إيجاد أجوبة واضحة عليها سوى أن أبناء المنطقة الشرقية في سورية مقبلون على شكل جديد من الصراعات الإقليمية التي قد تخدم أجندات الدول الأخرى أكثر مما تخدم الشعب السوري نفسه فهل تستمر الدوامة في ابتلاع المزيد والمزيد من الضحايا وبلا جدوى، وهل نحن أمام شكل جديد من الصراع في سورية؟.
*ماورد في المقال يعبر عن رأي كاتبه وللجميع حق الرد على الأراء المطروحة فيه