فراس علاوي
سيناريوهات ايران في المنطقة
يبدو أن الامريكان في ظل حكومة ترمب الأخيرة والتي عمل على تجميع شخصياتها بعناية ، ماضية باتجاه تقليم أظافر إيران في المنطقة وقطع أذرعها فيها ، فيما يبدو أنه إنتهاء للدور الإيراني وعقاب لإيران التي فيما يبدو شبت عن الطوق وبدأ المشروع التوسعي لطهران يكشر عن أنيابه وبقوة ، الأمر الذي أربك حسابات الأميركان وأزعج الإسرائيليين ، وبدفع من دول الخليج المتضرر الأكبر من هذا التوسع خاصة السعودية والتي وصلت إيران إلى حديقتها الخلفية في اليمن وعطلت مصالحها في لبنان ، فيما يبدو أن الوضع السوري بعيد نوعا ما عن الصراع الخليجي الإيراني ، الأمريكان ربما قد اتخذوا قرارهم بالذهاب بعيدا في الصراع مع إيران لكنهم بذات الوقت لن يخوضوا حربا مباشرة ضدها ، فلاتزال التجربة العراقية حاضرة في أذهان القادة الامريكيين ، الأمريكان باتوا أكثر إقتناعا بأن الهدف الأكثر إلحاحا الآن هو إيقاف المد الإيراني ، ومن ثم الإنتقال لمرحلة أكثر تطورا وتعقيدا الهدف منها تفكيك إيران من الداخل بغية إسقاط نظامها السياسي ، حتى اللحظة يبدو أن الاستراتيجية الامريكية تعتمد على أربع ركائز مهمة في سعيها لإيقاف هذا التمدد .
اول
تلك الركائز العقوبات الإقتصادية والحصار الإقتصادي الذي يدفع إلى إنهيار الإقتصاد الإيراني مع المراهنة على تحرك قوى شعبية إيرانية في الداخل الإيراني تستفيد من معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة من تراجع الاقتصاد الايراني وارتفاع الأسعار والبطالة وبالتالي حدوث اضطرابات قد تهدد النظام من الداخل ، هذه العقوبات بدأت بالإنسحاب من الإتفاق النووي وتحذير جميع الدول والشركات من التعامل معها كذلك فرض عقوبات إقتصادية على إيران وحلفاؤها في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله اللبناني ، ولدول الخليج دور هام في هذه السياسة تعتمد على التحكم بأسعار النفط وتعويض النقص في النفط الإيراني ودعم الإحتجاجات الداخلية ماديا ومعنويا والتي فيما يبدو لم تبدأ بعد بهذه الخطوة رغم وجود أرضية جاهزة تتمثل بالمعارضة الإيرانية وحركات التحرر في الأحواز العربية لكنها لم تتلق الدعم المطلوب حتى اللحظة ، ويبدو أن هذا مرهون بإنتهاء العمليات العسكرية في اليمن
ثانيا
تدمير قدرات إيران العسكرية في الخارج واستهداف مواقع قواتها والقضاء على أذرعها العسكرية خاصة في سوريا ولبنان ويبدو أن هذا الأمر قد أسند بصورة كبيرة إلى إسرائيل ، والتي بدأت فعليا في عملها من خلال استهداف المواقع الايرانية في سوريا وربما لاحقا في العراق ، إختيار إسرائيل لهذه المهمة يحقق عدة اهداف أهمها ضمان غض بصر روسي عن تلك العمليات على عكس فيما لو كانت العمليات أمريكية أو اوربية كذلك تحقيق الرغبة الإسرائيلية في إبعاد إيران وحزب الله عن حدودها وبذات الوقت فرض هيمنة واضحة على المنطقة ..
ثالثا
العمل على استقطاب حلفاء إيران في الدول العربية وإبعادهم عن الحضن الإيراني وبالتالي تقليص التمدد الإيراني في المنطقة وإبعاد وكلائها الإقليميين من أمثال نوري المالكي وحسن نصرالله والحوثي وإيجاد قوى بديلة تعتمد على الشيعة العرب ومحاولة فصلهم عن التبعية لإيران وحوزة قم وهو مابدى ظاهرا في دعم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وعدد من الزعامات المحلية العراقية والتي فازت بالانتخابات البرلمانية مؤخرا وهو ماينذر بشرخ في العلاقة العقائدية بين الشيعة العرب وإيران والذي قد يمتد لإيجاد بدائل محتملة في لبنان واليمن بعد إسقاط نصرالله والحوثي وتقليص نفوذهم في تلك الدول ..
رابعا
ترك الصراع مفتوحا في سوريا وبشكل خاص شرق سوريا ودفع عناصر تنظيم الدولة (داعش) باتجاه الصراع مع المليشيا الإيرانية من خلال السيطرة على مناطق إنتشاره شمال نهر الفرات ، مما يضطرهم للتوجه للبادية وجنوب نهر الفرات حيث يتواجد نظام الأسد وعناصر المليشيا الإيرانية هناك …
بالمقابل تعتمد إيران على أوراق قوة تجعل من الاستراتيجية الأمريكية صعبة التحقيق وتتمثل في
الاعتماد على المواقف الدولية والاقليمية المؤيدة للموقف الإيراني خاصة بما يخص الاتفاق النووي
(الروس ، الاتراك ، الخلافات العربية العربية ، أوربا )
الإعتماد الإيراني على التحالف مع روسيا خاصة في سوريا يجعل من الموقف الإيراني في سوريا أكثر قوة رغم هشاشة هذا التحالف واعتماده على مصالح آنية لكنه مفيد في الوقت الراهن بالنسبة للإيرانيين والذين يعولون على الخلاف الأمريكي الروسي في سوريا ،لذلك يستخدم الإيرانيون سياسة خلط الأوراق بشكل مستمر خشية الوصول لإتفاق روسي أمريكي والذي إن حصل سيكون على حساب الوجود الإيراني في سوريا ، يبدو ان الموقف التركي هو الأكثر تعقيدا الآن وهو ماتعول عليه إيران في سياساتها الحالية فالتقارب التركي الإيراني يضع العصي في عجلات الاستراتيجية الامريكية والتي تبدو مرتبكة نوعا ما في تعاطيها اللحظي مع الحكومة التركية بسبب التقلبات الحادة والمفاجئة في الموقف التركي من طرف وبسبب تناقض الرؤية الأمريكية باتجاه حكومة العدالة والتنمية في تركيا والموقف التركي في سوريا والتقارب التركي الروسي ، هذا الارتباك والذي يبدو انه لن يكون آنيا ينعكس سلبا على الموقف الأمريكي ويدعم الموقف الإيراني في سوريا وبالتالي لايمكن التكهن بنتائجه وإن كان يشير إلى صدام تركي إسرائيلي محدود ومرتقب لكن تغير الموقف التركي رهن بالتقارب مع الأمريكان وحل عدة ملفات عالقة اهمها ملف فتح الله غولن وأكراد سوريا
الموقف الاوربي المتأرجح بين الخضوع للإرادة الأمريكية من جهة وضمان مصالحه الاقتصادية من جهة اخرى يجعل الإيرانيين يلعبون على هذا الموقف لكن دون مراهنات كبرى بسبب عدم قدرة الاوربيين على تحدي الإرادة الأمريكية على المدى الطويل وهو ماتدركه إيران جيدا
أحد اسباب الرهان الإيراني على الذهاب بعيدا هو الخلافات البينية العربية العربية وخاصة الخليجية الخليجية منها والتي استفادت منها إيران ولاتزال تستفيد سياسيا واقتصاديا في ظل تقارب إيراني قطري وهو مايدفع إيران إلى محاولة تعقيد الحل في الخليج العربي فأي توافق سينعكس سلبا على سياستها هناك …
اعتماد الإيرانيين على ولاء الشيعة العرب يجعل من أذرعها في المنطقة حتى اللحظة قادرة على التحرك من خلال حواضن شعبية لم تفكك بعد وبالتالي الاستثمار في مايسمى محور المقاومة والعداء لأمريكا وللغرب وهو مايجب على دول الخليج التنبه له وبالتالي محاولة إبعاد هذه الحاضنة عن إيران من خلال الدعم السياسي والاقتصادي والذي حتى اللحظة لم يعط نتائج حقيقية بل على العكس فقد إنهزم حلفاء السعودية في لبنان بسبب التناقض والخلاف بين القوى المدعومة خليجيا مادفع حلفاء إيران لتحقيق مكاسب كبيرة في لبنان سياسيا وشعبيا
السيناريوهات المطروحة أمام إيران ليست كثيرة لكنها تملك أوراق ضغط قد تساعدها
الأول
هو العودة لطاولة المفاوضات مع الأمريكان وتقديم تنازلات قد تبدو مؤلمة لها لكنها مرحلية تنتظر إنتهاء ولاية ترمب، ربما للعودة لسياسة التهديد باستئناف تطوير السلاح النووي والصاروخي وبالتالي بقاء الوضع في مرحلة المراوحة في المكان واللعب على الزمن خاصة أن الإيرانيون يجيدون سياسة المماطلة والهروب
السيناريو الثاني
وهو أكثر خطورة للمنطقة وهو الذهاب إلى تحالفات إقليمية ودولية تقدم خلالها إيران امتيازات ومغريات مادية واقتصادية لدول اقليمية ولروسيا والصين وبالتالي الذهاب بعيدا في مواجهة سياسية وتصعيد للتوتر
السيناريو الثالث
وهو الأخطر وهو أن تقوم إيران بإشعال المنطقة وإشعال حرب تكون ساحتها ممتدة من اليمن حتى سوريا مرورا بلبنان والعراق وذلك من خلال ، إشعال جبهات الحوثيين وتوريط حزب الله والنظام السوري في صراع مع إسرائيل يكون مفتوحا على كل الاحتمالات ، ودعم إنقلاب سياسي في العراق لفرض سيطرتها عليه بصورة مباشرة وبالتالي الانفتاح على سيناريوهات أكثر عنفا وأكثر صدامية مع الأمريكان
كل هذه السيناريوهات مرتبطة بالتقارب الروسي الامريكي في المنطقة ومدى جدية الأمريكان في تحقيق الاستراتيجية التي يتحدثون عنها في تقليم أذرع إيران في المنطقة