ياسمين مشعان
“عصافير ام فتية تمرح ام الماء من جدول ينضح”
ولكن على جثة دامية ومرحها في أحسن الظروف في خربة بالية…
فبينما يحلم الأطفال في العالم بمستقبلهم ويرسموا بخيوط ذهبية طموحاتهم لسنوات قادمة ، كيف سيصبحون ؟ وماذا يتمنون ؟ وما الإنجازات التي يأملون بتحقيقها ؟ في دفء أسرتهم وبصحبة ذويهم ،
يجد أطفال الغوطة أن بقائهم على قيد الحياة للساعات المقبلة هو أقصى تطلعاتهم ، وقد يكون ضرب من ضروب الرفاهية ، في حين يتملكهم الخوف ليس من الموت فقط إنما باتوا يخافون أن يخطأهم الموت و تتلبسهم إصابة ما أو تقطع أوصالهم بفعل قنبلة أو صاروخ أو شظايا مختلفة الأنواع والأشكال ، يخشون التشوه ، يخشون حياة فيها
أمالهم ، أحلامهم ، تطلعاتهم خذلت و صلبت على محراب المجتمع الدولي الذي وضع القوانين التي تنص على حقوق الأطفال ومنها حق الحياة .
في الهجمة الأخيرة التي شنتها قوات الأسد مدعومة بالطيران الروسي استخدمت خلاله شتى أنواع الأسلحة آخرها النابالم الحارق وخلال شهر واحد من تاريخ ١٨ /شباط ولغاية ٢٠ /آذار استشهد ٢٦٤ طفلاً من أطفال الغوطة الشرقية في حين أصيب أكثر من ٩٧٤ طفلا أخر بجروح متعددة بعضها خطير قد لا ينجو منها .
رصاص حديد رصاص حديد وأهات ثكلى وطفل شريد
وبين الركام والدمار تخرج صرخات الأطفال يبحثون عن أمهاتهم أو أمهات يبحثن عن أولادهن يجوبون الشوارع المدمرة وتصل ألامهم وصرخاتهم عنان السماء فيضعفه صوت غارة أخرى وقصف جديد
عويل من القرية النائية وشيخ ينادي فتاه الغريق بهذا الطريق وذاك الطريق
صيرورة الحياة هي أن يودع الولد أباه أو امه ويقوم بكافة التشريفات ويتلقى العزاء إنما في سوريا وربما في الغوطة بشكل خاص انقلبت موازين الكون بل وقد يدفن الجد أولاده وأحفاده ويهيم نائحا في الطرقات المدمرة أو يجلس قبالة جثامينهم وينتحب
رصاص ونار ووجه السماء
تطالع الصور التي تخرج من الغوطة الشرقية تحديدا صور الأطفال فهل تستوعب حجم الألم الذي يعانونه والخوف الذي يعيشون فيه وترى تشوه طفل بسبب حروق النابالم أكلت جسده و فقد ملامحه وهو في عمر الخامسة هل تعتبره من الناجين أم تراك تحمد الله على بقائه حيا وهل يفعل هو كذلك
ربما تنظر إلى صورة وتجده رافعا إشارة النصر مازال لا يدرك حقيقة ما جرى له وان مستقبله اصبح وقفا على من يتكفل بعلاجه المجاني وقبلها إخراجه من هذا الجحيم
وما اختلط من صورة في الحجار تحدى بها الموت فهي انتصار
يعيشون تحت الأرض وأصبحت حياتهم بلا شمس فقد دأب سكان الغوطة ليتجنبوا القصف المستمر على حفر مدينة تحت الأرض فاصبح التجول يتم عبر الأنفاق وانتقلت المدارس و المشافي الميدانية إلى هناك وحتى أنهم خصصوا أماكن للعب الأطفال لحمايتهم قدر الإمكان خمس سنوات من الحصار طوروا أنفسهم بها لكي يتكيفوا على العيش تحت الأرض ووضعوا أنطمة لذلك
وكم من أب أيب في المساء وقد زم من ناضريه العناء
علي أب لثلاثة أطفال اضطر لترك مدينته مع أفراد أسرته وذلك بسبب الجوع والحصار والقصف المستمر ولدى سؤالي له ما اكثر شيء كان يخيفك وانت هناك أجاب انه الجوع
قال أشعر حين يقول لي ولدي انه جائع بالعجز لو أني اقطع من جسدي واطعمه لا أمانع أموت الف مرة وأنا أراه يتلوى مستعد لأن التهم الصخر كي أوفر طعامي له انه العجز أخية
عصافير أم صبية تمرح أم الماء من صخرة ينضح
أحمد ، رغد ، آية وغيرهم ليسوا مجرد أرقام في إحصائيات الموت المستمرة قد لاتعني للبعض الكثير لكنهم بالنسبة إلى ذويهم هم فلذات الأكباد هم الحياة بأسرها حلوها ومرها
ضحكاتهم كانت تملأ البيوت ألعابهم تضفي المرح في الطرقات لم يحلقوا كثيرا في أحلامهم إلا انهم سارعوا صعودا إلى الجنان مخلفين وراءهم آهات الأمهات ولوعات الآباء فهل من وسيلة لإيقاف سيل الألم أو أن مزيدا من الأسر ستفجع .