الثلاثاء , أبريل 23 2024
الرئيسية / مقال / عندما كنت مراسلا…2_6

عندما كنت مراسلا…2_6

عمار مصارع

حَدَثَ حين كنت مراسلاً لقناة “الحرة” واذاعة”سوا”..!.
2 – 6

عمار مصارع

بنى النظام السوري منظومته الاعلامية على قاعدة تشبيكها مع منظومته الأمنية، وربط الاعلام بالأجهزة الأمنية بحيث تتحكم بكل مفاصله، ويكون لهذه المنظومة الأمنية اليد الطولى بتعيين العاملين في الاعلام بدءاً من رأس هرم أي مؤسسة اعلامية رسمية – بما فيها وزارة الاعلام – وانتهاءاً بأصغرموظف فيها، اضافة الى هذا قام النظام باستحداث وظيفة “المسؤول الأمني” أو “ضابط الأمن” على غرار التشكيلات العسكرية للنظام، وهذا الموظف – كما في التشكيلات العسكرية – له اليد الطولى في كل مفاصل هذه المؤسسات الاعلامية.
لاتنحصر مسؤولية الاجهزة الأمنية على الاعلام الرسمي فقط، بل تتعداها الى المؤسسات الاعلامية ( وكلها مؤسسات خدمات اعلانية يملكها بعض المتنفذين)، وحتى التجارب الاعلامية الخاصة التي ظهرت في بداية هذه الالفية لم تسلم أيضاً – على قلتها وعدم خروجها عن المرسوم لها – من التدخل الأمني، وكما وصل هذا التدخل الأمني الى عمل مراسلي الصحف والقنوات التلفزيويونية، التي تعمل على الاراضي السورية، والتحكم بعمل مكاتبها ذات العلاقة الصورية مع وزارة الاعلام، كما و تعتمد الاجهزة الأمنية على شركات خدمية اعلامية للمراسلين تسجل الشاردة والواردة، وتنقلها لهم بكل دقة واخلاص..!.
عندما نقول” الجهاز الأمني المختص” فهذا يعني أنه من حق الاجهزة الأمنية السبعة عشر – وهناك من يقول أن عددها تجاوز العشرين بكثير– التدخل في العمل الاعلامي، واعطاء الأوامر للعاملين فيه، الى درجة أنه لايمكن لأي صحفي الحصول على موافقة العمل، دون الموافقة الأمنية، التي تأتي على بساط الريح أو على ظهر سلحفاة، وذلك حسب “طأطئة” الاعلامي لهذه الأجهزة، وحسب خدماته وتقاريره بزملائه، إلا من “رحم ربي” – وما أقلهم ..! – ممن تمكن من “التحايل” على هذا الشرط العجائبي. لهذا لاغرابة إذا ماتداخل عمل الاعلامي مع عمله الأمني، إلى درجة أن بعض ” الاعلاميين..!” تصل حظوتهم عند الاجهزة الأمنية الى درجة قدرتهم على “فك الحبل عن رقبة المشنوق” كما يقول المثل الشعبي، والشواهد التي عايشناها وعرفناها أكثر من أن تحصى .
البطاقة الصحفية:
من القوانين المعتمدة في “سورية الأسد”، أنه لايمكن للمراسل الصحفي أن يعمل أو يتعاون مع أي وسيلة اعلامية خارج سورية، قبل الحصول على “بطاقة صحفية” لتسهيل عمله (!!)، والكل يعرف أن السمات العامة – وما أقل الاستثناءات – التي تجمع من عملوا مراسلين لصحف واذاعات وقنوات تلفزيونية، هي إما أن يكونوا بعثيين تاريخهم حافل بالتقاريرالكيدية بأقرب المقربين إليهم، أو ينتمون إلى طائفة الرئيس، و إما أن يكونوا على علاقة طيبة مع الاجهزة الامنية، تصل غالب الأحيان الى أن تندغم المهنة عندهم فتصبح الصحفي/المخبر، حيث عليه (الصحفي/المخبر) أن لايكتفي باعلام الجهة الأمنية التي تقف معه وتسهل له تحركه بتحركاته، بل إنها تختار له ضيوفه، وتقترح عليه اعطاء فرصة ظهور اعلامي لهذا المعارض أو ذاك ممن ترضى عنهم هذه الاجهزة الامنية، ويقدمون لها بعض الخدمات(..!!)، بل ومطلوب منه أيضا أن يزود هذه الاجهزة بتقرير وافي وكافي عن ضيوفه، وعما دار بينه وبينهم خارج متطلبات العمل، وغير ذلك من أمور ليس المجال هنا لتسليط الضوء عليها. وبالطبع فإنني أتجاهل قصدا القلة القليلة جدا، من الذين لم يكونوا من هذه الفئات، لأنهم لم يستمروا طويلا في أعمالهم، وقسم منهم”زمط” هاربا من سورية، خوفا من عقوبة تأتيه بمفعول رجعي ..!.
المصادفة، وبعض الأصدقاء كانوا السبب في أن لا أُضطر للدخول في “مجموعة” الصحفي/المخبر، إذ – من جهة أولى – القناة والإذاعة اللتين أعمل فيهما أمريكيتين، وهذا ساعد على التخوف من التعرض لي، و”العد الى العشرة” قبل إزعاجي (..!)، ومن جهة ثانية توسطت للحصول على بطاقتي الصحفية، وموافقتهم على العمل مراسلاً، ثلاثة من المعارف الأعضاء في مجلس الشعب، الذين كفلوني وكفلوا أن لا أتجاوز المحظور، وتعهدوا أن لا أخرج عن ” الصراط المستقيم” المرسوم بدقة، والمراقَب على مدار الساعات والأيام، وكانت الضربة القاضية التي حصلت بعدها مباشرة على البطاقة، وساطة أستاذي الموسيقي الكبير صلحي الوادي – رحمه الله – ، الذي صادف أن درسَتْ بشرى الأسد في المعهد الموسيقي الذي يديره، وسبق له أن أشرف على تدريس بنات اللواء – كان وقتها عميد – جميل حسن، جلاد سورية الكبير، والذي تتناقل الوكالات أخباره اليوم، وأخبار المجازر اليومية التي يشرف عليها. هذه الوساطة هي التي منحتني قوة جعلتني أشعر أنه بإمكاني تجاوز”الصراط المستقيم” والتحرك قليلا خارج المرسوم، وإفساح المجال للرأي الآخر أن يتكلم عبر “الحرة” و”سوا”، وأن أتمادى قليلا وأتحدث خارج ما يريدونه، وأضئ بعض العتمة التي كانت تعيشها جماعات حقوق الإنسان، والمعارضة المؤدبة التي جرى تدجينها، وهذا بالطبع لا يعني أنني كنت البطل الذي لا يأبه، بل لا أنسى أن فترة عملي في “الحرة” و”سوا” كانت فترة كوابيس فظيعة خوفا من “غلطة” قد تودي بي إلى التهلكة، والإقامة في “بيت خالتي”.. وقد جاءت هذه الغلطة بعد فترة من الزمن..!.
خروج الجيش السوري من لبنان:
أخبرني الزملاء في إدارة القناة في واشنطن أنه من المتوقع بدء خروج الجيش السوري من لبنان خلال ساعات..كان الجو باردا في دمشق، و في منطقة “جديدة يابوس” الحدودية مع لبنان(50 كم غرب مدينة دمشق).
طلبت من مُخَدمي تأمين مصور وكاميرا لمرافقتي إلى منطقة المصنع فرفض بحجة أن الأوامر لديه تقضي أنه غير مسموح بالتصوير إلا لكاميرات التلفزيون الرسمي السوري، فطلبت العون من مصور كان قد عمل معي في تصوير مسلسلي “دنيا”، وبالفعل لبى الرجل دعوتي ولحقني بسيارته الى الحدود، وفي الوقت نفسه، اتفقت مع صديق لي يعمل سائق تاكسي على خط دمشق – بيروت أن يلاقيني في ال”جديدة”، ليقوم بنقل الأشرطة إلى الزملاء في مكتب بيروت، كي يقوموا بالعمليات الفنية المطلوبة، وإرسالها إلى المقر الرئيس في واشنطن .
ركبت سيارتي متجهاً إلى “جديدة يابوس”، برفقة زميلة صحفية طلبت مرافقتي، فوافقت دون تردد، وأنا الذي يغرق بشبر ماء أمام أي امرأة.. كيف أرفض وأنا من المعجبين بقول المتنبي العظيم: “بيضاء تطمع في ما تحت حلتها “..!.
كنت أول الواصلين الى”جديدة يابوس”، ولم يكن غير معاون وزير الإعلام طالب قاضي أمين واقفا على مبعدة مع ثلة من الضباط والأمنيين..تجاهَلَنا الرجل..وصل الشاب المصور بعدنا بقليل، وبعده بدأ توافد الإعلاميين، وما أن لمح معاون الوزير صديقي المصور واقفاً بجانبي حتى ناداه بإشارة من اصبعه الغليظ، ودردش معه وهو “يشوبر” بيديه مشيراً إلي، وبقدرة قادر صار مصوري” فص ملح وذاب”.. الجميع سُمح لهم بتصوير الخروج المذل للجيش السوري من لبنان، إلا أنا، حيث اكتفيت برسالة هاتفية باهتة مع ستوديو “الحرة” ومع ستوديو إذاعة “سوا” تم بثها على الهواء مباشرة..!.
أحسد زميلتي ..!:
انتظرت “صديقتي” الصحفية (بالمناسبة هي اليوم من وجوه المعارضة السورية البارزة، والتي لا تفوت الانضمام إلى أي تنظيم من تنظيمات المعارضة التي لا وزن ولا قيمة لها، وهي دائما في صدارة الباحثين بشكل دؤوب عن تمويل من هذه المنظمة أو تلك، من المنظمات التي ظهرت بعد عام 2011)، وما أن انتهت حتى ركبنا السيارة وعدنا سوية لوحدنا في ليل غرب دمشق الكئيب، والحق يقال تحملت “المخلوقة” غضبي وشتائمي التي لم تبق “ستراً مغطى” للنظام ولم تذر..!.
أوصلت ( زميلتي الصحفية ..! ) الى باب بيتها، وعدت الى منزلي أجر أذيال الخيبة، ونمت “طب”، إلى أن أيقظني هاتف صباحي مبكرمن نقيب في جهاز أمن الدولة، يطلب – بكل أدب..!– أن أشاركه شرب القهوة(..!)في مكتبه..!.
لم أرفض طلبه، وذهبت من فوري، وكانت لي معه جلسة”عتاب..!” مطولة، عاتبني الرجل خلالها على كلمة تفوهت فيها خلال حديث السيارة في وقت متأخر من الليلة الفائتة، والذي سرده لي حرفا حرفا.. منهياً الجلسة بتقديم النصح لي، وأنه يجب أن أبقى محافظاً على “وطنيتي” المشهود لها، وملمحاً إلى أنه عندما تأتي ساعة “ضرب الكنة بالكنة” لايستطيع الذي خَلَفَ “جورج بوش” الشفاعة لي ..!.
ومن يومها وأنا أحسد “زميلتي الصحفية” على حدة ونصاعة ذاكرتها، وقدرتها الهائلة على حفظ شتائمي، شتيمة وراء شتيمة، رغم أنني حتى الساعة لا أشتم إلا بلهجتي الفراتية العصية على فهم أمثالها..!.
يتبع
عن موقع ليفانت

شاهد أيضاً

فرق ثقافات..عسل أسود

فرق ثقافات محمد أمير ناشر النعم  سافرت وعائلتي إلى مصر سنة ٢٠١٣، وسكنّا في الإسكندرية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + عشرة =