الأربعاء , أبريل 24 2024
الرئيسية / مقال / المجتمع السوري …صعوبات الإنتماء وخياراته

المجتمع السوري …صعوبات الإنتماء وخياراته

سامي الدريد

عن الإنتماء أصل قيام المجتمعات ..

لكل إنسان “فرد” منظومته الخاصة بالتعامل والتعاطي مع العالم الخارجي المحيط به، وهي عبارة عن مجموعة قواعد وقيم ومبادئ وتصورات ، بها يحكم على الأشياء، وبها يقيس ويستقرء ويستنتج الأحكام.
وصحيح أن هذه المنظومة تتكون في الأساس بناءاً على منظومات أفراد الأسرة والمحيط الذي نشأ فيه الفرد، إلا أنه لا يلبث بعد سنواته الأولى، وبعد تكون مفردات كافية للمزج والاستنتاج، أن يطبعها بطابعه الخاص الذي يصير كبصمة له، وتلك الميزة او القدرة تعتبر سمة الانسان ويمارسها باللاوعي منذ نعومة أظفاره.
ويمكن استنباط هذه المنظومة او التدليل عليها باجراء اختبارات لاستخراجها من خبايا النفس( وهذا مجال علم النفس) كما ويمكن تقييم مجتمع ما من خلال إحصاء نتائج هذه الإختبارات، ثم الحكم عليه تبعاً للنسب الأعلى من القواعد والمبادئ والقيم التي تحكم منظومة الأكثرية فيه.
وتعتبر الحياة والحوادث التي تكتنفها وتشكل حركة الزمان فيها مجرد مختبر ينبه الى تلك المنظومات المختلفة للأفراد فيما بين بعضهم البعض، ولكن لا يمكن بطبيعة الحال إصدار حكم قطعي بصحة أية استنتاجات، ذلك أن الحكم إنما يصدر من منظومات مشابهة من جهة، ولا يمكن تكرار التجربة الفردية مطلقا ولا حتى من قبل الفرد ذاته من جهة أخرى.
هذه المقدمة ضرورية للحديث عن النتائج أو بعضها على الأقل أو حتى ما تبدى ولاح منها لتجربة الأعوام السبعة الماضية والأسباب التي أدت إليها من خلال استنباط هذه المنظومات التي تحكم الأفراد.
ما هي هذه القواعد والمبادئ والقيم التي تحكم منظومات الأفراد السوريين والتي تشكل بأكثريتها مكانة المجتمع السوري ومعناه؟
هل هناك قواعد مشتركة حقا بين الأفراد السوريين؟ ما الذي يجمعنا نحن السوريين؟ مجرد الاسم بمعنى الإنتساب لا يعتبر من القواعد أو المبادئ التي تقوم عليها منظومات الأفراد، لأن منظومة كل فرد قائمة على الاحتياجات الاساسية للحياة والاسم لا يعني شيئا منها.
أولى هذه الإحتياجات وأهمها الأمن، ثم يأتي بعده الرخاء.
وأولى الخطوات التي تحقق الأمن للفرد هو الاجتماع البشري، وهو يعتبر شرطا أساسيا له، وبدون الأمن لا يشعر المرء بالإستقرار ولا يمتلك بالتالي القدرة على الإبداع، فالأمن سبب لتقدم المجتمعات.
كما أن أولى الخطوات التي تحقق الرخاء هي العدل، فالعدل يمنع الفساد والظلم والهدر والتساهل بالمال العام، ويضمن بقاء جميع الابواب مفتوحة أمام العمل والإنتاج والإبتكار.
هذان الشرطان أساسيان لشعور المرء بالانتماء لجماعة ما، وينتفي الشعور بانتفائهما، وبدون شعور الأفراد بالإنتماء لا تقوم الجماعة بمعناها الحقيقي، فالإنتماء هو إحساس الفرد العميق بالمصير المشترك مع باقي أفراد المجتمع، قيامهم بقيامه وفناؤهم بفنائه، وهو الأصل والركن الركين لقيام مجتمع
لقد عمل نظام الأسد بادئ ذي بدء على قطع هذا الشعور لدى السوريين، فلا يحاجج أي سوري بأن نظام الأسد نظام أمني بإمتياز، مع التحفظ على معنى كلمة أمن التي لا تتوافق بحال من الأحوال مع نظام الأسد، والحق أن يكون اسمه نظام رعب بدل من أمني، فمنذ اللحظة الأولى أنشأ الأسد الأب 17 فرعاً أمنيًا، مهمتها متابعة كل سوري وعد أنفاسه، واعتقلوا كل من ينطق بكلمة احتجاج أو اعتراض، حتى الهفوة وأحيانا كثيرة بلا حتى هفوة. فأي شعور بالأمن سيشعر به السوري بعدها وهو لا يأمن على نفسه وعائلته وهو جالس في منزله؟ ولا يخفى على أي سوري أيضاً الإمتيازات التي منحت لهذه الأجهزة الأمنية ليضمن ولاءها، فحتى أصغر عنصر فيها والأقل شأناً كان فوق القانون، وبإمكانه بكل سهولة فرض أتاوات وضرائب على أي معاملة أو طلب قانوني لأي مواطن من أي جهة رسمية، ويستطيع قطع سلسلة الاجراءات القانونية في أي لحظة وتحويلها بالإتجاه الذي يتناسب مع مصالحه هو ضارباً بكل شيء عرض الحائط، فلا أمن ولا عدل في سوريةفي عهد النظام الأسدي ، فكيف سيشعر السوري بالإنتماء لسوريته!
أحيت الثورة السورية جزءاً كبيراً من هذا الشعور المكبوت لدى السوريين لحظة قيامها، وكان يجب العمل على استكماله وتثبيته أثناءها، ولكن للأسف الفردية والمناطقية والأنا والطمع والتعالي وحب الظهور والسلطة وغيرها من أمراض النفس الموروثة من نظام الأسد كانت هي السمة الغالبة على سلوكيات الأفراد السوريين، فأضعفت بدل أن تستكمل شعور الانتماء الذي أحيته الثورة، وبات خطر فشلها ماثلاً للعيان، وتبدد الأمل بالخلاص من الاستبداد، ومازال حتى اللحظة نظام الأسد كحصوة الملح في عيون السوريين ، حتى بعد تقديمهم مليون شهيد للخلاص.

شاهد أيضاً

قراءة في كتاب المرزوقي هل نحن أهلٌ للديمقراطية ؟

قراءة في كتاب المرزوقي هل نحن أهلٌ للديمقراطية ؟  هناء درويش   يبداً المنصفُ المرزوقيُّ كتابَهُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 2 =